صور غيرت مجرى التاريخ ترجمة- جودت جالي
عندما كان المصور (رون هفيف) في سن 23 عاما التقط
صورة لأنصار الديكتاتور البنمي (مانويل نورييغا) وهم يضربون نائب الرئيس (غيليرمو فورد) الذي كان قد فاز على نورييغا في الانتخابات سنة
1989.
المصور هفيف مشارك في تأسيس وكالة التصوير VII وصاحب كتاب (الدم والعسل)- 2000 عن حرب البلقان، وكتاب (على الطريق الى
كابول)- 2002 عن حرب أفغانستان.
لم يكن الشيء المؤثر في الصورة
هو الدم القرمزي الذي يغطي قميص الرجل بقدر ما كانت لا أبالية الجندي الذي يقف على
مسافة بضعة أقدام دون أن يتدخل لحمايته.
نشرت الصورة على أغلفة أبرز المجلات الأميركية،
مثل التايم والنيوز ويك وورلد ريبورت، وبعد بضعة أشهر ذكرها الرئيس بوش الأب في خطابه
الذي برر فيه غزو بنما واعتقال نورييغا وتقديمه الى المحاكمة.
قال هفيف: "فهمت فجأة أن العمل الذي كنت أنجزه
يخرج الى العالم ويخلق ويسبب رد فعل، وقد قوى هذا رغبتي في أن أتفرغ له وأجعله مصدر
معيشتي".
قيم صورية جديدة
أصبح التصوير الفوتوغرافي بعد ربع قرن وسيلة الاتصال
المهيمنة، فقد سمح التقدم التكنولوجي المدوخ بطوفان من الصور تقدر بحوالي نصف مليار
صورة في اليوم أن تلتقط وترسل عبر الشبكة التي جعل ظهورها هي والهاتف الذكي العيش من
التصوير أكثر صعوبة على المصورين، والجدير بالذكر أن قاموس أكسفورد للغة الانكليزية
أطلق كلمة selfie في العام 2013 على إرسال الهواتف
الذكية للصور الشخصية على الشبكة.
يقول هفيف الذي غطى صراعات رئيسية
خلال السنوات الثلاثين الماضية بأنه لم تبق إلا مجلات وصحف تعد بأصابع اليد ترسل الآن
مصورين محترفين لتغطية الأحداث عبر البحار، ويخشى أن زمن الصور التي تفجر وعي الجمهور
قد ولى الى غير رجعة.
تراجع مكانة الحرفة
شبكة الانترنت حالها حال صناعات أخرى لها تأثير
مغيّر وذو حدين، فقد نسفت المصدر التقليدي لتمويل التصوير الاعلاني، إلا أن بعض العمليات
الاخبارية تزيد تدريجيا من عوائدها على الشبكة ولكنها غير قادرة على مجاراة الخسائر
غير المسبوقة في مطبوعاتها. فجريدة (شيكاغو صن-تايمز) على سبيل المثال ألغت قسم التصوير
الذي يعمل فيه 28 مصورا، لكنها أعادت الى العمل أربعة منهم بسبب ضغط الرأي العام، وسرحت
وسائل أخرى المصورين المتعاقدين معها أو خفضت عددهم كما فعلت رويترز.
تشير الأرقام أن المصورين المحترفين هم الأكثر تضررا
من بين العاملين في وسائل الاعلام وقد انخفض عددهم بنسبة 43 بالمئة في الولايات المتحدة.
يصف دونالد ونسلو هذه الاجراءات بأنها خطأ ستراتيجي: "نحن نعيش الآن في المجتمع
الأكثر اهتماما بالشهادة المرئية، وفيما تنقل الصحف انتاجها الى الشبكة فهي تفشل في
إدراك أنها تحتاج الى زيادة الصور وليس الى تقليلها".
ورغم مليارات الصور التي تلتقط بكاميرات الهواتف
وترسل على فيسبوك وفليكر فإن أغلبية الصور الإيقونية (ذات الأهمية الرمزية) التي تعبر
عن أحداث رئيسية التقطها مصورون محترفون، كما تثبت الصور التسع من صور مجلة تايم العشرة
(أهم 10 صور لسنة 2013).
مستقبل مرهون بالإبداع
الانفجار التصويري في وسائل الاعلام الاجتماعية
أثر في التصوير الفوتوغرافي بطريقتين أولهما أنه خلق جمهورا واسعا يقدر التصوير العظيم،
وثانيهما أنه غير طبيعة التصوير، فالغالبية العظمى منه التي نتبادلها على الشبكة هي
عن أنفسنا وعوائلنا وأصدقائنا وليس عن الغير.
نحن لا نعلم الى الآن فيما إذا كانت هذه التغييرات
إيجابية، ونخشى أن يجعل سيل الصور من المستحيل على صورة ايقونية أن تظهر، مثل صورة
(نيك أوت) الفتاة الفيتنامية التي نزعت ثيابها المحترقة وأخذت تسير عارية صارخة بعد
هجوم أميركي بالنابالم أثناء حرب فيتنام، وربما لن يكون لمثل هذه الصورة اليوم نفس
الأثر الذي حشد الأميركيين في تظاهرات صاخبة ضد الحرب آنذاك.
يتساءل المصور جيمس إيسترن هل يوجد عدد كبير من
المصورين بحيث يصعب على أحدهم أن يبرز؟ ويقول: "حتى عندما تكون الصورة ذات قيمة
فإنها لا تدوم أكثر من 24 ساعة"، ويؤكد ستيفن مايز على ضرورة أن يبرهن المصورون
على قيمتهم فالعالم "ليس ملزما بعيشنا لأننا نصنع صورا عظيمة".
يقوم هفيف وآخرون بهذا بالضبط. إنهم يطورون وسيلة
إعلام على نطاق اجتماعي واسع ويصورون أفلاما وثائقية ويقبلون منحا من مؤسسات غير ربحية،
ومن الأمم المتحدة لدعم عملهم.
يقول محررو نشر الصور بأن صور الهواة قد تكون قوية
ولكن المصورين المحترفين لا يزالون مطلوبين لخلق صور مؤثرة وفيها إيحاءات وإحالات متعددة
تؤثر في المشاهد وتبقى في ذاكرته. المصورون المحترفون حيويون، ومن دونهم يذوي ضمير
العالم فهم يحملون شهادة لنا كلنا.
ديفيد روهديديك/ مجلة ذي أتلانتك الأميركية
0 التعليقات: