حكم جان عاصي بالسجن شهرين بتهمة القدح برئيس الجمهوريّة (عن تويتر)
سناء الخوري
منذ سنوات طويلة، لم تُصدر محكمة المطبوعات حكماً بالسجن في لبنان. بالأمس، غيّرت عادتها، ليصدر القاضي روكز رزق، حكماً بسجن المغرّد جان عاصي شهرين، "بتهمة القدح والذم برئيس الجمهورية ميشال سليمان، وتحقير شخصه والتعرض لكرامته عبر موقع "تويتر". من بين كلّ التغريدات الحبلى بالشتائم والتهديدات والدعوات للقتل والتحريض المذهبي والعنف، لم يستفزّ الجهاز القضائي إلا بسبب تغريدات "تحقّر شخص رئيس الجمهوريّة".
نحن أمام سابقة قانونيّة، تفترض حكماً بأنّ "تويتر"، وغيره من مواقع التواصل، تخضع لمواد قانون المطبوعات. وذلك ملفّ سجالي وخلافيّ شائك. فمن جهة، يدرك الجميع استحالة ضبط ما يكتب على مواقع التواصل، لصعوبة تنفيذ ذلك من الناحية التقنية، وصوناً لحقوق المستخدمين البديهيّة بالتعبير عبر حساباتهم وصفحاتهم الخاصّة. خلال السنوات الماضية، لم يسلم أيّ رئيس جمهوريّة حول العالم من لسان المغرّدين، من باراك أوباما، إلى محمد مرسي، وصولاً إلى فرانسوا هولاند. ومرّ ذلك من دون عقوبات بالحبس. ومن جهة ثانية، تسهّل الحرية المتاحة على مواقع التواصل من انتشار حسابات تهدّد بالاغتصاب، أو تحضّ على العنف والبيدوفيليا. يتيح تويتر للمستخدمين التبليغ عن تلك الحسابات، وحتى ملاحقة بعض أصحابها قضائياً. على سبيل المثال، قضت محكمة بريطانيّة في 24 كانون الثاني الماضي، بسجن رجل وامرأة، لتهديدهما ناشطة نسويّة بالاغتصاب، عبر تغريدات أطلقت على "تويتر". فأين قضيّة جان عاصي من ذلك؟ في الصيف الماضي، شتم عاصي في سلسلة تغريدات رئيس الجمهوريّة ميشال سليمان. استدعي على إثر ذلك للتحقيق من قبل مكتب "مكافحة جرائم المعلوماتيّة"، ثمّ تحرّكت النيابة العامة لملاحقته، وصولاً إلى صدور الحكم عليه بالأمس.
يصف المحامي نزار صاغيّة الحكم على جان عاصي بالسجن، "بالمقلق"، فمنذ "التسعينيات، تخلّت محكمة المطبوعات عن العقوبة السجنيّة، واكتفت بإصدار أحكام بغرامات. وحتى عند إصدار أحكام بالسجن، كما في حالة غادة عيد مثلاً، تمّ نقض الحكم بالاستئناف". ويلفت صاغيّة إلى أنّ المادّة 387 من قانون العقوبات، تشير إلى أنّه في حالة القدح والذمّ برئيس الدولة أو الوزراء، يبرأ المتهم "إذا كان موضوع الذمّ عملاً ذا علاقة بالوظيفة وثبتت صحته، في ما خلا الذم الواقع على رئيس الدولة". لكنّ الحكم على عاصي، "يذكّر بسوابق بشعة وخطيرة، إذا ما قارناه بما يحصل في دول الخليج، حيث يسجن الأفراد لسبع أو ثماني سنوات، للمسّ بالذات الأميريّة أو الملكيّة، مع العلم أنّ عقوبات الحبس بتهم الرأي، ألغيت من قوانين المطبوعات في تونس، مثلاً، وهناك اتجاه مماثل في مصر"، بحسب صاغيّة. ويشير المحامي والباحث إلى أنّ القانون الأميركي لا يلاحق أيّ مواطن لذمّ شخصيّة عامّة، على اعتبار أنّ تلك "الشخصيّة محصّنة بمنابر كثيرة، وقادرة على الردّ على من ينتقدها". كما يلفت إلى أنّه ما زال من المبكّر شمل مواقع التواصل الاجتماعي بقانون المطبوعات، خصوصاً أنّه هناك مشروع قانون يتمّ الإعداد له في مجلس النوّاب، لتحديد كيفية التعاطي مع ملفات مماثلة، بشكل لا يمسّ بحريّة التعبير. ويستغرب صاغيّة أن يتمّ تحريك دعوى ضدّ جان عاصي تحديداً، خصوصاً أنّ رئيس الجمهوريّة تعرّض لحملات كثيرة، "فهل يتحرّك القضاء لمحاسبة الضعفاء فقط، لإجبارهم على احترام الأقوياء"؟
من جهته، يقول جان عاصي لـ"السفير" إنّه بعد التحقيق معه في تموز الماضي، بشأن التغريدات موضوع الحكم، تمّت إحالته على النيابة العامة. ويقول عاصي إنّ وكيلته المحاميّة مي خريش، قدّمت حينها دفوعاً شكليّة على اعتبار أنّ "تويتر" لا يعدّ وسيلة نشر، فرُفضت تلك الدفوع. وأشار مهندس الكومبيوتر الشاب إلى أنّه سيستأنف الحكم، مؤكدّاً أنّه يجد فيه شيئاً من "الكيدية، لأنّ محكمة المطبوعات لم تصدر أيّ حكم بالسجن منذ سنوات". ويضيف: "خلال محاكمتي، لاحظت أنّه تمّ تسريع الإجراءات الخاصّة بملفّي، بعكس كلّ الملفات المماثلة، كأنّ هناك نيّة لإصدار الحكم على عجلة".
يقول عاصي إنّه كتب تغريداته الشهيرة، "لأنّي شعرت بالاستفزاز بعد الاعتداء على الجيش في عرسال حينها، وأخي جندي في المؤسسة العسكريّة، وشعرت أن رئيس الجمهوريّة لا يلعب دوره بشكل كافٍ في حماية الجيش، على العكس أرسل من يتفاوض مع المعتدين عليه". وأضاف: "لا أقول أنّ الشتيمة بالضرورة أمر صحيح، ولكن لماذا الإصرار على محاكمتي، في وقت يُترَك من يحرّضون علناً على القتل، وهدر دماء الأبرياء؟ لماذا تخاف الدولة من تغريدات أحمد الأسير وفضل شاكر، وتستقوي على تغريداتي؟ لماذا ينشغل رئيس الجمهوريّة بملفي، ولا يهتمّ بالقدر ذاته بملفات أكبر تشغل اللبنانيين؟ أنا مواطن مثالي، لا يوجد بحقّي مخالفة سرعة واحدة، ولم أخالف القانون في حياتي، ولن أقبل أن يتمّ سجني في الزنزانة نفسها مع من يحضّرون التفجيرات الإرهابيّة".
يحتاج الفصل بين حريّة التعبير وتهديد الأمن القومي على "تويتر"، إلى جهد تشريعي جدّي، يحمي حقّ المستخدمين بالتعبير قبل أيّ شيء آخر، ولا يحوّل حسابات التغريد، إلى سجون إضافيّة، ومساحات جديدة للرقابة. ولكن، بانتظار أن يعود مجلس النوّاب لممارسة مهامه، فالأكيد أنّ تغريدات جان عاصي، أو أيّ مواطن ينتقد سياسياً أو زعيماً، لا تستحقّ أن تعامل كجرائم خطيرة، تستدعي السجن والتأديب. "تويتر" فضاء مفتوح على كلّ الأفكار، ولا يمكن لأيّ رئيس جمهوريّة أن يدافع عن هيبة مقامه، من خلال محاكمة مغرّدين، أو وضع قفل الـ"بلوك" على المستخدمين الذين يخالفونه في الرأي. يكفي أن نتابع حملة التضامن مع عاصي التي انطلقت بالأمس على مواقع التواصل، تحت وسم "كلّنا جان عاصي"، لنعرف أنّ لبنانيين كثر، يعتبرون الحكم عليه بالحبس، مسّاً خطيراً بحريّاتهم العامّة.
منذ سنوات طويلة، لم تُصدر محكمة المطبوعات حكماً بالسجن في لبنان. بالأمس، غيّرت عادتها، ليصدر القاضي روكز رزق، حكماً بسجن المغرّد جان عاصي شهرين، "بتهمة القدح والذم برئيس الجمهورية ميشال سليمان، وتحقير شخصه والتعرض لكرامته عبر موقع "تويتر". من بين كلّ التغريدات الحبلى بالشتائم والتهديدات والدعوات للقتل والتحريض المذهبي والعنف، لم يستفزّ الجهاز القضائي إلا بسبب تغريدات "تحقّر شخص رئيس الجمهوريّة".
نحن أمام سابقة قانونيّة، تفترض حكماً بأنّ "تويتر"، وغيره من مواقع التواصل، تخضع لمواد قانون المطبوعات. وذلك ملفّ سجالي وخلافيّ شائك. فمن جهة، يدرك الجميع استحالة ضبط ما يكتب على مواقع التواصل، لصعوبة تنفيذ ذلك من الناحية التقنية، وصوناً لحقوق المستخدمين البديهيّة بالتعبير عبر حساباتهم وصفحاتهم الخاصّة. خلال السنوات الماضية، لم يسلم أيّ رئيس جمهوريّة حول العالم من لسان المغرّدين، من باراك أوباما، إلى محمد مرسي، وصولاً إلى فرانسوا هولاند. ومرّ ذلك من دون عقوبات بالحبس. ومن جهة ثانية، تسهّل الحرية المتاحة على مواقع التواصل من انتشار حسابات تهدّد بالاغتصاب، أو تحضّ على العنف والبيدوفيليا. يتيح تويتر للمستخدمين التبليغ عن تلك الحسابات، وحتى ملاحقة بعض أصحابها قضائياً. على سبيل المثال، قضت محكمة بريطانيّة في 24 كانون الثاني الماضي، بسجن رجل وامرأة، لتهديدهما ناشطة نسويّة بالاغتصاب، عبر تغريدات أطلقت على "تويتر". فأين قضيّة جان عاصي من ذلك؟ في الصيف الماضي، شتم عاصي في سلسلة تغريدات رئيس الجمهوريّة ميشال سليمان. استدعي على إثر ذلك للتحقيق من قبل مكتب "مكافحة جرائم المعلوماتيّة"، ثمّ تحرّكت النيابة العامة لملاحقته، وصولاً إلى صدور الحكم عليه بالأمس.
يصف المحامي نزار صاغيّة الحكم على جان عاصي بالسجن، "بالمقلق"، فمنذ "التسعينيات، تخلّت محكمة المطبوعات عن العقوبة السجنيّة، واكتفت بإصدار أحكام بغرامات. وحتى عند إصدار أحكام بالسجن، كما في حالة غادة عيد مثلاً، تمّ نقض الحكم بالاستئناف". ويلفت صاغيّة إلى أنّ المادّة 387 من قانون العقوبات، تشير إلى أنّه في حالة القدح والذمّ برئيس الدولة أو الوزراء، يبرأ المتهم "إذا كان موضوع الذمّ عملاً ذا علاقة بالوظيفة وثبتت صحته، في ما خلا الذم الواقع على رئيس الدولة". لكنّ الحكم على عاصي، "يذكّر بسوابق بشعة وخطيرة، إذا ما قارناه بما يحصل في دول الخليج، حيث يسجن الأفراد لسبع أو ثماني سنوات، للمسّ بالذات الأميريّة أو الملكيّة، مع العلم أنّ عقوبات الحبس بتهم الرأي، ألغيت من قوانين المطبوعات في تونس، مثلاً، وهناك اتجاه مماثل في مصر"، بحسب صاغيّة. ويشير المحامي والباحث إلى أنّ القانون الأميركي لا يلاحق أيّ مواطن لذمّ شخصيّة عامّة، على اعتبار أنّ تلك "الشخصيّة محصّنة بمنابر كثيرة، وقادرة على الردّ على من ينتقدها". كما يلفت إلى أنّه ما زال من المبكّر شمل مواقع التواصل الاجتماعي بقانون المطبوعات، خصوصاً أنّه هناك مشروع قانون يتمّ الإعداد له في مجلس النوّاب، لتحديد كيفية التعاطي مع ملفات مماثلة، بشكل لا يمسّ بحريّة التعبير. ويستغرب صاغيّة أن يتمّ تحريك دعوى ضدّ جان عاصي تحديداً، خصوصاً أنّ رئيس الجمهوريّة تعرّض لحملات كثيرة، "فهل يتحرّك القضاء لمحاسبة الضعفاء فقط، لإجبارهم على احترام الأقوياء"؟
من جهته، يقول جان عاصي لـ"السفير" إنّه بعد التحقيق معه في تموز الماضي، بشأن التغريدات موضوع الحكم، تمّت إحالته على النيابة العامة. ويقول عاصي إنّ وكيلته المحاميّة مي خريش، قدّمت حينها دفوعاً شكليّة على اعتبار أنّ "تويتر" لا يعدّ وسيلة نشر، فرُفضت تلك الدفوع. وأشار مهندس الكومبيوتر الشاب إلى أنّه سيستأنف الحكم، مؤكدّاً أنّه يجد فيه شيئاً من "الكيدية، لأنّ محكمة المطبوعات لم تصدر أيّ حكم بالسجن منذ سنوات". ويضيف: "خلال محاكمتي، لاحظت أنّه تمّ تسريع الإجراءات الخاصّة بملفّي، بعكس كلّ الملفات المماثلة، كأنّ هناك نيّة لإصدار الحكم على عجلة".
يقول عاصي إنّه كتب تغريداته الشهيرة، "لأنّي شعرت بالاستفزاز بعد الاعتداء على الجيش في عرسال حينها، وأخي جندي في المؤسسة العسكريّة، وشعرت أن رئيس الجمهوريّة لا يلعب دوره بشكل كافٍ في حماية الجيش، على العكس أرسل من يتفاوض مع المعتدين عليه". وأضاف: "لا أقول أنّ الشتيمة بالضرورة أمر صحيح، ولكن لماذا الإصرار على محاكمتي، في وقت يُترَك من يحرّضون علناً على القتل، وهدر دماء الأبرياء؟ لماذا تخاف الدولة من تغريدات أحمد الأسير وفضل شاكر، وتستقوي على تغريداتي؟ لماذا ينشغل رئيس الجمهوريّة بملفي، ولا يهتمّ بالقدر ذاته بملفات أكبر تشغل اللبنانيين؟ أنا مواطن مثالي، لا يوجد بحقّي مخالفة سرعة واحدة، ولم أخالف القانون في حياتي، ولن أقبل أن يتمّ سجني في الزنزانة نفسها مع من يحضّرون التفجيرات الإرهابيّة".
يحتاج الفصل بين حريّة التعبير وتهديد الأمن القومي على "تويتر"، إلى جهد تشريعي جدّي، يحمي حقّ المستخدمين بالتعبير قبل أيّ شيء آخر، ولا يحوّل حسابات التغريد، إلى سجون إضافيّة، ومساحات جديدة للرقابة. ولكن، بانتظار أن يعود مجلس النوّاب لممارسة مهامه، فالأكيد أنّ تغريدات جان عاصي، أو أيّ مواطن ينتقد سياسياً أو زعيماً، لا تستحقّ أن تعامل كجرائم خطيرة، تستدعي السجن والتأديب. "تويتر" فضاء مفتوح على كلّ الأفكار، ولا يمكن لأيّ رئيس جمهوريّة أن يدافع عن هيبة مقامه، من خلال محاكمة مغرّدين، أو وضع قفل الـ"بلوك" على المستخدمين الذين يخالفونه في الرأي. يكفي أن نتابع حملة التضامن مع عاصي التي انطلقت بالأمس على مواقع التواصل، تحت وسم "كلّنا جان عاصي"، لنعرف أنّ لبنانيين كثر، يعتبرون الحكم عليه بالحبس، مسّاً خطيراً بحريّاتهم العامّة.
0 التعليقات: