الثلاثاء، 19 نوفمبر 2013

ألبير كامو يكره استغلال المال للصحافة ترجمة - جودت جالي

نشرت من طرف : ABDOUHAKKI  |  في  الثلاثاء, نوفمبر 19, 2013


كانت "وصايا" ألبير كامو الأربع في العمل الصحافي هي "الوضوح، الرفض، السخرية، الإصرار" وقد نشر في العام 1939 في جريدة لو سوار ريبيبلكان (المساء الجمهوري) التي كان يرأس مكتبها في الجزائر نداء الى زملائه يقول فيه "لنظل أحرارا ونقطع الصلات المحرمة بين مهنتنا وسلطات المال". وقد مُنع النص من النشر، وليس دون سبب، فكامو شجب فيه التضليل الاعلامي واستخدام الصحافة كأداة للتخويف واللذين كانا متفشيين في الصحافة. كتب يقول: "الجريدة حرة قياسا على ما تقوله وليس قياسا على ما لم تقله، وفي مواجهة مد البلاهة الصاعد من الضروري القيام ببضعة أفعال للرفض. إن ضغوط الدنيا كلها لن تستطيع أن تجعل من إنسان، يتحلى ولو بقليل من النظافة، إنسانا عديم الأمانة". لم يكن يبلغ من العمر آنذاك سوى 26 عاما، ولديه ممارسة قليلة، وعلاقته لا تزال غير واضحة مع هذه المهنة. كان يحب الصحافة ويكره الأخلاقية السائدة فيها، مولعا بما كان يسميه "غليان الرخامة" (الرخامة منضدة من مرمر تستخدم في المطابع) ويسخر من غرور زملائه.
البدايات
أول من وضعه على درب الصحافة في العام 1938 أحد أقارب أندريه مالرو يدعى باسكال بيا كان مديرا لمكتب جريدة ألجير ريببيلكان (الجزائر الجمهورية) التي كانت مؤيدة للجبهة الشعبية وتتقاطع مع باقي صحف الجزائر المرتبطة بالآيديولوجيا الاستعمارية.
ولد كامو في الجزائر ونادرا ما غابت عن ضميره طوال حياته. كتب في (العكس والمكان) يقول: "كنت في منتصف المسافة بين البؤس والشمس. لم يكن الفقر، في البداية، تعاسة بالنسبة لي أبدا. كان النور ينشر لي في الفقر كل غناه. حتى ثوراتي منه كانت مستنيرة، ثورات كانت، وأظن أني أستطيع القول دون مخاتلة، أنها كانت من أجل الجميع". ولد في العام 1913 في مدينة موندوفي بالجزائر ولم يعرف والده الذي جرح جرحا قاتلا في السنة التالية في معركة ألمارن بفرنسا. كانت أمه أمية وتعمل خادمة في البيوت. كتب اهداء مخطوطته الأخيرة غير المنجزة (الرجل الأول) يقول فيه: "اليك يا من لن تستطيعي قراءة هذا الكتاب أبدا".
في العام 1957 عندما استلم جائزة نوبل للأدب كتب الى معلمه السابق لوي جيرمان: "عندما علمت بالخبر كان أول شخص خطر على بالي بعد أمي هو أنت، فدون تعليمك لي ومثالك الذي اقتديت به لم يكن ليتحقق كل هذا". عاش كامو آنذاك في حي بيلكور الشعبي حيث يتعايش العرب والأوروبيون من الطبقة العاملة، حي ربطه بالعمال الجزائريين الذين كرس لهم أعظم تحقيقاته الصحفية.
الانخراط في السياسة
كان الدافع وراء انتماء كامو للشيوعية هو مناداة هذا الحزب بالمساواة في الحقوق بين العرب والأوربيين، ثم انقطعت علاقته بالحزب بعد سنتين في 1937. حيث رأس (دار الثقافة الجزائرية) التي كان يديرها المتعاطفون مع الجبهة الشعبية والذين شكلوا (مسرح العمل) و(سينما العمل) وحولوا عائداتهما لصالح العاطلين.
منعت مسرحيته الأولى التي تتناول قمع الحكومة الاسبانية لعمال المناجم الذين ثاروا في مناجم آستوري. وفي العام 1939 وفيما كان يستعد للقتال ضد النازية حرمه التدرن الذي أصابه وهو في عمر 17 سنة من حمل السلاح، وكان قبل هذا قد حقق بعض الشهرة في الجزائر.
نشر (أعراس)، وتحقيقاته الأولى عن بؤس منطقة القبائل في جريدة (الجزائر الجمهورية) أثارت ضجة عظيمة بينما كانت أبرز ميزات الصحافة الصمت والتواطؤ مع السلطة الاستعمارية.
جرى تكليفه بتغطية قضايا متنوعة (وهي تجربة أفاد منها لوصف محاكمة مورسو في رواية الغريب)، وجهد في كشف براءة مدير مزرعة أتهم بالسرقة من قبل مستعمر غني، كما نجح في اثبات براءة عربي أتهم بالقتل من قبل السلطات الحكومية لأسباب سياسية.
وأخضعت مقالاته للمنع، ومنعت جريدة "لو سوار ريبيبلكان" من الصدور مطلع العام 1940 بأمر من حاكم الجزائر.
الانخراط في المقاومة
قرر الذهاب الى باريس حيث وظف في (باريس-سوار) وفيها شعر ﺒكل "قلب باريس وعقليتها المنفرة التي تليق بفتاة طائشة". تبين أن التجربة في هذه الجريدة قصيرة ولم يظهر كامل مواهبه في الكتابة إلا في كومبا (القتال- لسان حال شبكة مقاومة بنفس الاسم) حيث تمرس في العمل التحريري الحقيقي بالنسبة اليه.
هنا يبوح بسر مهنته الذي يتلخص في "فكرة، ومثالين، وثلاث صفحات" وكتب في 24 آب 1944: "رغبتنا العميقة كانت في تحرير الصحف من سيطرة المال وإعطائها صوتا وحقيقة يضعان الجمهور في مستوى أفضل ما يمتلك من قدرات. كنا نفكر آنذاك أن أي بلد يساوي في القيمة بقدر ما تساويه صحافته"، ويدافع عن "صحافة نقدية" ويسميها، بمرح، "صحافة الأفكار".
في صحيفة كومبا لم يكف الكاتب عن جلد الصحافة "المتواطئة" التي "تسعى الى الإرضاء أكثر من التنوير". كان أول من تحرك عند ضرب هيروشيما بالقنبلة الذرية معبرا عن قلقه من انفتاح "آفاق مرعبة على البشرية" وكتب قائلا "يتوجب الاختيار في مستقبل قريب ما بين الانتحار الجماعي أو الاستخدام الذكي للانتصارات العلمية".
نهاية الطريق
احتفظ بمساهمته الأخيرة في الصحافة لمجلة (ليكسبريس) في العام 1956 حيث كلف بكتابة وقائع ما يسمى الى الآن "الأزمة الجزائرية"، بعد أقل من عام اختلف مع المحرر حول تغطية الحرب في الجزائر. مع ذلك بقي كامو على مسافة من الدعوة الى استقلال الجزائر وشجب "نهج جبهة التحرير الجزائرية" ولكن كان من المؤكد أن مؤلف (المتمرد) سيواصل التأمل في المسألة لو لم يختطفه الموت فجأة سنة 1960 (بحادث انقلاب سيارته)، وكما نصح سارتر فإننا "يجب أن نتعلم رؤية هذا العمل المبتور (عمل كامو) بوصفه عملا تاما".

مو فيرنيال/ جريدة لومانيتيه الفرنسية

التسميات :

شارك الموضوع

مواضيع ذات صلة

0 التعليقات:

الآراء الواردة في المقالات والبلاغات تعبرعن أصحابها وليس إدارة التحريرــ الآراء الواردة في المقالات والبلاغات تعبرعن أصحابها وليس إدارة التحرير
back to top